نقطة تحول مؤلمة. حين تهدينا الحياة النور في الوجع، خاطرة من قصة موسى عليه السلام.
![]() |
| مصدر الصورة موقع pexels |
لم يكن عام 2016 عامًا عاديًا، كان عام مليء بالحيرة والأسئلة، عام شعرت فيه بالضياع والتوهان، كان سر ذلك الضياع هي تجربة محيرة كنت اعيشها.
لكن في ذلك العام حدث لي أجمل قدر عشته حينها وهو أن تلك الحيرة قادتني لطريق التعلم فوجدت نفسي في مجموعة فريدة على الواتساب كان هدفها هو تدبر القرآن الكريم.
ربيع قلب. ملخصات الدروس على التلجرام.
بدأت تعلم حينها الكثير، وبدأت الاجابات تأتيني وبالفعل بدأت أجد النور الذي كنت أبحث عنه.
في كثير من الأحيان بدأت الإجابات في خلق مشاعر غضب بداخلي، لكن مع الوقت صرت أتقبل عدم فهمي وأخطائي الناتجة حينها، وكنت أرى أمل تغدو انصج وأكثر حكمة.
ولأجل امتناني لكلما علمني الله عن طريق تلك المجموعة، قررت الاستمرار فيها مهما كان ادائي في تحضير الدروس خافت وضعيف، ثم قررت قراًرًا شجاعًا وهو أن أقدم تأملاتي عن بعض الآيات في الأيام المتاحة للأعضاء وفي الأمس تحديدًا بتاريخ 8/12 كان درسًا ألقيته أو خاطرة بعنوان:
"نقطة تحول مؤلمة "
النبي القريب
بالنسبة لي شخصية موسى هي شخصية النبي الأقرب لقلبي، أرى فيه نفسي في كثير من الصفات، لا أرى نفسي مثل إبراهيم عليه السلام وقوته وجرأته ولا أرى عظمة سليمان مثلاً.
أرى صراع موسى النفسي، ألمه، خوفه، قلقه بل ربما هو أكثر نبي حكى الله عن مشاعره وعواطفه وهو أكثر نبي حكى الله قصته بتفاصيلها الدقيقة.
من صغره الى شبابه الى قصته مع قومه والكثير من التفاصيل التي جعلتنا نعرف موسى أكثر من نبي آخر، ربما لانه يمثلنا جميعاً في صراعتنا النفسية والعاطفية، وربما لأن قصته تحكي قصة البشر جميعاً، تحكي عن الظلم الاستبداد والخروج من دائرة ذلك الأذى والظلم وتحكي تلك القصة بكل زواياها كيف يحب البشر استعباد بعضهم، وماهي السبل والطرق الممكنة للخروج من ذلك؟
أما عن الآية التي هي محور حديثنا اللية ومحور النقاش والبحث:
قال تعالي: ( فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) القصص 19
نتحدث عن الآية تحديداً
بداية الآية تعرض مشهد صراع بين عدة أشخاص في مجتمع يعاني من الطبقية مجتمع غير متوازن القوى، البعض لديه الحق في كل شيء، والبعض الآخر محروم من أبسط الحقوق.
هذا الظلم يفتح يسبب الشعور بالمظلومية ذاك الذي يفتح الكثير من المشاعر المظربة لدى الأشخاص، لكنه للأشخاص العاطفيون وأصحاب الضمير الحي يعني الكثير من الألم والمعاناة.
وهكذا كان موسى كتلة من العواطف والشعور بالمسؤولية.
لقد رأينا في المشهد صراع أثنان من بني إسرائيل مع القبطي، لكننا رأينا رغبة موسى في دفع الظلم وتحقيق العدالة، وشعوره بمعاناة قومه.
وهكذا نتعلم أن الله يعطينا الاشارات لفهم مشاعرنا الداخلية وتتبع خريطتنا النفسية؛ ولأجل ذلك نرى أن الله حرم الظلم لأنه يعمق الاحساس بالدونية وقلة التقدير، ويفتح الباب للإنتقام والرغبة في كسر سطوة الأذى.
وبرغم كل ذلك قلة من الناس من تحمل هم إرساء العدالة، لأن الأمر يتطلب قلب مؤمن يتحلى بالشجاعة.
والبيئة المؤذية لا تخلق سوى ثلاث انواع من الأشخاص:
- الشخص الخاضع الذي يمتص دور المظلوم ويشعر انه يستحق.
- الثاني المتلاعب الذي يحاول اخذ حقوقه بطرق ملتوية.
- والثالث الراغب في تغيير الأمور مثل موسى عليه السلام.
إعداد رباني
لكن هذا الأخير لن يكون طريقه سهلا ف أول ما سيعاني منه هي نفسه وغصبه وكل المشاعر التي لم تجد متنفس داخله.
موسى لم يكن جباناً، لكنه كان يحتاج إلى شيء آخر، كان يحتاج إلى الهدوء والسكينة، لأنه لا يمكن تحقيق الغاية التي طالما شغلت وجدانه بدون وعي منه، إلا حينما تسكن نفسه وتنسجم عواطفه.
ولم يكن في ذلك الوقت قادر على المواجهة وتحقيق الغاية التي يريدها.
لذا هذا الموقف وهذا المشهد هو إعداد رباني من الله لموسى لينتقل للمرحلة الثانية، مرحلة الإعداد للمواجهة مع فرعون.
ومن هنا تتجلى لنا جزء من جمال الآية التي قالها الله في حقه( ولتصنع على عيني)
لقد صنعه الله عبر السنوات والمواقف والأقداركلها تصب في غاية واحدة أن يكون موسى هو موسى بجماله وشجاعته وقوته.
إن قصة موسى لا تحكي قصة نبي عطوف ورغبته تجاه تحقيق العدالة ورفع سطوة الظلم عن قومه فقط، لكنها تحكي أن إرادة الله مع المظلوم والمغلوب على أمره.
تحكي عن جمال إرادة الله التي بدأ بها سورة القصص( ونريد أن نمن على الذي أستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)إرادة الله مع المظلوم لأنه في قوانين الله الكل سواسية بينما في قوانين البشر العوجاء يحق للبعض ما لا يحق لغيرهم. يمكن أن تكون هذه الآية ضمادًا لكل من يعاني من الظلم تذكرنا أن الله يكره الظلم والتكبر ويمقته.
تلك القوانين الظالمة التي تبحث عن سبب أحمق للتمييز، لون البشرة أو الجنس أو النوع( ذكر أو أنثى) أو غيرها من الاعتبارات، التي لا تقدر الإنسان لكونه إنسان، وكأن إنسانينك ووجودك لا يكفي لتعامل كما يجب.
نفسية الظالمين
وفي الحقيقة كل ظالم على وجه الأرض يحمل قلب متكبر يعاند الحقائق ويرفضها تلك الشخصيات النرجسية التي تدور الحياة في فلكهم.
الذين يشعرون أنهم يستحقوا أكثر من الآخرين وأنهم مهمون أكثر من غيرهم وأن عليهم أن يحصلوا على ما يرغبوا به سواء كان لهم أم لا، أولئك الذين يتسلون كثيرا بجعل الآخرين أقل منهم.
لأنهم يعانون أساسًا من عقدة النقص وتغريهم فكرة أن الآخرين يقدسونهم بكل مساوئهم، يريدون أن يكونوا ارباباَ وآلهة.
هذا الموقف في قصة موسى هو موقف جوهري حياته بعده لا تشبه حياته قبله،برغم أن هذا الموقف كان قاسيًا وظل يتذكره حينما لقى ربه وكلمه، لقد خرجت براكين الغضب المكبوت رغماً عنه، لكن الله لن يأبه بذلك، لأن الله كان يرى قلب موسى وشعوره وضميره الحي ورغبته العظيمة المختبأة تحت ستار غضبه..
وهكذا تكون بعض المواقف مريرة وقاسية علينا لكنها نقطة تحول كان لابد لها أن تحدث، يعلمنا أيضاً، أن رغم قوة بعض المواقف وتأثيرها الذي لا نحبه حينها إلا إنها جزء مهم من قصتنا، جزء يفتح لنا طريقاً جديدًا واحتمالات مختلفة، جزء صعب لكنه ينقلنا للذي طالما أردناه ولم نعي طريقة واضحة وومكنة لتحقيقه.
نقطة التحول
لقد خرج موسى بعد هذا الموقف من مصر خائفَا يتوجس لا يعلم طريقًا ولا وجهة لكن الله كان في قلبه، بينما كان ربه يعده ويهيء له الأسباب ليكون موسى.و نتعلم أن رغبات الإنسان الصادقة تقوده الى الطريق الذي تمناه، لأن الله يقول عن ذلك( سنيسره لليسرى) كل يقاد الى ما اراده في قرارة نفسه.
ولأن بقاءه تحت سطوة الأذى هناك لن تساعده ليحقق غايته إن العيس في بيئة مؤذية يتطلب الكثير من الحكمة وضبط النفس بالإضافة لاستحالة تحقيق السلام الداخلي وإتزان العواطف في تلك الظروف فالبيئة التي أخرجت أسوء ما فيما لن تحقق لنا السلام.
وهكذا نتعلم أن مغاردة البيئة المؤذية مهم جدًا في نمونا النفسي وتحقيق غايتنا في الحياة.والبيئة المؤذية قد تكون أسرة مهظوم فيها حقنا في الحياة والوجود والازدهار، وقد تكون عادات تمتصنا بلا رحمة، وقد تكون علاقات مطلوب منا أن نزرع في تربتها ما لا نحصده.
حين نشعر أن حركتنا في ذلك المكان محاطة بالخوف والقلق وكانما نمشي على حقل ألغام، علينا إيجاد طريقة آمنة للمغادرة.
موسى لم يكن يعلم أن عليه أن يغادر وأن اعداده ليكون موسى لن يكون هناك لكن الله كان يعد له ذلك ويهيء له الأسباب والله يعلمنا عن طريقه سرد هذا الحدث والقصة أن علينا حماية أنفسنا ورعايتها وغرسها في بيئة آمنه لكي تنبت وتزهر.
يذكرنا هذا الحدث بحدث الهجرة في حياة النبي باختلاف الطريقة والأسباب نوعاً لكنها كلها تقود لغاية واحدة، عليك أن تجد طرق ممكنة لتحقيق ما تريد، وعليك أن تراعي احتياجاتك النفسية قبل أن نطلب من نفسك العطاء.
ووجه الاختلاف بين الهجرة وخروج موسى هو أن خروج موسى كان خروجاً فردياً بما خرج الرسول مع إصحابه جماعات، ووجه الشبة أنه في كلا الخروجين كان يسوقهم الأمل والخوف واستحالة التغيير.

تعليقات
إرسال تعليق