مراجعة لرواية مزرعة الحيوان."جورج أوريل"
مراجعة لرواية مزرعة الحيوان
تنتمي هذه الرواية للأدب الخيالي، وهي أحدى روايات جورج أوريل الخيالية بالإضافة إلى روايته 1984 كلاهما سياسيتان أيضًا.
حين تبدأ بقراءة الرواية يتكشف لك العالم الذي يرسمه جورج أوريل عالم مزرعة الحيونات التي تشعر بالظلم الذي تتلقاه من بني البشر ثم في غضون صفحات قليلة يبدأ الحدث الأهم في الرواية وهو حدث الثورة، ثورة ضد الظلم والاستبداد والقهر الذي تعامل به من قبل السيد جونز.
حينما تغوص قليلًا في فكرة الرواية تتساءل كيف سيرسم الكاتب عالم الحيونات الثائرة ذاك ماهي حدود الخيال هنا ؟ كيف سيجعل تلك الأحداث الخيالية قابلة للتصديق؟
لقد بدأ الخيال يصتدم بالمنطق حينما استلمت الحيونات أمور المزرعة، فكان السؤال حينها: كيف ستتدبر أمورها بنفسها؟ هل تستطيع أن تفعل كل الأمور التي كان يفعلها البشر؟ على سبيل المثال: من سيقوم بحلب الأبقار؟ أو جني العلف؟
لقد نجح الكاتب في تجاوز تلك المعضلة حينما أشار إليها بوضوح ولم يتهرب منها، ومن تلك النقطة بدأ الكاتب في كسب مصداقيه الأحداث، وجعلها كلها أقرب إلى التصديق.
الشق الآخر من الرواية وهو الشق الأهم: إنها الرمزية التي تخفيها كل أحداث الرواية، كيف تتحول المجتمعات الثائرة الى مجتمعات مستعبدة، عندما تصبح أقرب إلى الوضع الذي كانت فيه من دون أن تشعر، تتغير صورة المتسلطين لكن تبقى تصرفاتهم واحدة. لا يهم إن كانوا بشرًا أم حيونات.
لقد جعلنا الكاتب نعيش أحلام مجتمع يحلم بالمساواة ويرسم الخطوط العريضة لمستقبله بنفسه، حيث لا يذل أو تهان كرامته أو تسرق حقوقه المادية من طعام وراحة، كانت الشرارة الأولى من خلال النشيد( نشيد حيونات إنجلترا) والعبارات التي كانت تلهم الحيونات لبدء شرارة الثورة إنتهاءًا بطرد السيد جونز وكتابة الوصايا السبع.
لقد استطاعت الرواية أن ترينا كيف يصنع المستبدين ومن الذي يصنعهم، كانت شخصية نابليون هي رمزية للحاكم المتسبد، بدأت ملامح تلك الشخصية تتضح بعد طرد سنوبول صاحب فكرة الطاحونة، نابليون لم يرد لنجم سنوبول أن يلمع فدبر له مكيدة وقام بطرده، كانت حجته ضد سنوبول واضحة وواهية لكن الحيونات كانت ساذجة،
وهكذا يحدث في المجتمعات الثائرة بعد الثورات، تتسلم فئة طامعة الحكم لكنها لن تستطيع فعل ذلك إلا حينما تطيح بالشرفاء وأصحاب الضمائر الحية.
سنوبول الذي صار فيما بعد شماعة يضع عليها نابليون تبريرًا لفشله في تدبير أمور المزرعة. وهذا ما نراه كذلك لدى البشر، يخلق المستبدون أعداءًا يشغلون العامة بهم، كي لا يلومهم أحد على فسادهم أو سوء إدارتهم.
لا تتوقف عجلة السير الى الأسوء في المزرعة لكن الحيونات في كل مرة كانت تغض الطرف وتمني نفسها أن هذا الوضع أفضل من وضعها أيام السيد جونز، لقد بدأت الثورة تتحول إلى إنجاز فارغ من القيمة يومًا بعد آخر، لقد استولى فصيل معين من الحيونات على أمور المزرعة مانحين لأنفسهم هذا الحق، وبدأوا بأخذ امتيازات أكثر من الحيونات الأخرى، وفي كل مرة كانوا يصتدمون بأحد الوصايا السبع لكنهم بدهاء ومكر يقومون بتغييرها، حتى تبدلت كلها في نهاية المطاف.
تقول أحدى الوصايا: محرم على الحيونات شرب الجعة، ثم تصبح الوصية، بعدما عرفت الحيونات أن الخنازير تشرب الخمرة : محرم على الحيونات شرب الجعة حتى الثمالة.
وهكذا يفعل الطغاة من البشر يغيرون الدساتير بحسب مصالحهم وأهوائهم.
تفضح الرواية الخطاب الإعلامي المخادع وتكشف عامة الناس الذين يسهل خداعهم، الذين يتحولون بدون شعور الى السبب الاقوى في أرساء حكم المتسبد، إنهم يغضون الطرف عن الأخطاء لدرجة احيانًا تجعلهم يشكون في ذاكرتهم وقدراتهم العقلية.
يتغذى المستبدون على جهل الناس وسذاجة تفكيرهم، ويحيطون أنفسهم بهالة من القداسة تجعل الآخرين يستعبدون وضعهم تحت مجهر المراقبة أو المحاسبة، لقد اتضح ذلك من خلال تمجيد نابليون من خلال العديد من المشاهد، أشدها وضوحًا العبارة التي كانت تقال على لسان بوكسر وهي الاحب لقلب نابليون :" إن نابليون لا يخطئ" ثم التغني لنابليون ووصفه بأوصاف رنانة بعدها أباح لنفسه لبس ملابس السيد جونز بعكس أحدى الوصايا السبع، ووضع حوله الكلاب لترهيب الحيونات من بطشه.
بينما كان مشهد الاعدامات أكثر المشاهد ترويعًا للحيوانات برغم ذلك لم يكن ذلك كافيًا لجعلها تثور وتغضب ضد نابليون.
في كل مرة كان نابليون ينجو بخلق ذريعة واهية تجاه أي تصرف يعرف أن الحيونات ستعترض عليه أو حتى تفكر بالاعتراض عليه الى جانب ذلك كان يحيط نفسه بالكلاب، تمثل الكلاب رمزية العكسر أو القوة الخاضعة للقائد المتسبد، لقد كان كلما في المزرعة يحصل لصالح نابليون، وحاشيته من الخنازير.
بينما كانت الحيونات تكد وتتعب لبناء الطاحونة وتحسين وضعها إلا إن أحلامها كانت تتبعثر كالسراب، بسبب سوء إدارة نابليون وتحالفه مع البشر وتفكيره في مصالحه الشخصية ومصالح حاشيته من الخنازير ، كما أن كل الوعود التي وعدها نابليون لم تتحقق، وعدوده بالرخاء والراحة صارت مجرد أمنيات غير ممكنة.
لقد جمعت هذه الرواية الكثير من المعاني ووضعت الكثير من الرموز، ربما لم تفغل عن شيء مما يخشى البشر الحديث عنه بشكل علني.
والطريف في الأمر أننا لو وضعنا عشرة كتب تتحدث عن الديمقراطية وعن علاقة الحكام بالمحكومين ستكون الغلبة لهذه الرواية.
رواية تجمع بين المتعة والملاحظة الشديدة، البداية والنهاية وتعاقب الأحداث المثالي والمشوق، وقوة المعنى، جمال الخيال، ومقاربة الواقع لدرجة تثير السخرية.

تعليقات
إرسال تعليق