لو رآني لظل مبتسماً( قصة قصيرة)

 لو رآني لظل مبتسماً

قصة قصيرة


 المنزل على غير عادته ثمة شيء مريب لا أفهمه، عقلي الصغير لا يفهم ما يجري لكن قلبي كان هناك يخبرني بكل شيء.


لم يمت أبي لم يذهب الى الجنة كما سمعته ذات مرة يقول، عن أي جنة يتحدث هو جنتي. 


"لا تبكي يا أماه، لما تبكي؟

 ابنك شهيداً" سمعت هذه الجملة التي قالها عمي لجدتي، لكن جدتي تبكي؟ من الشهيد؟ من الذي ذهب ولن يعود؟ 


ليست حقيقة الجميع يكذب، أنهم يبكون بلا سبب،  لم يمت أبي سأراه قريباً، سيعود ويشتري لي بعض الحلوى كما يفعل دوماً. 


لكنهم لم يتركوا لي فرصة التكذيب كان كل شيء يجري أمامي المنزل يضج بالناس، أمي تكبي في إحدى الزوايا النساء يواسينها، الجميع يتطلع في وجهي وعيوني، يتهامسون بينهم: هل تعرف؟ 


اقترب عمي مني دنى حتى رأيت وجهه عن قرب ربت على كتفاي وحاوطني بكلتا يديه:" استشهد أباك يا جنى، الله يرحمه" 


فجأة أختفى صوت عمي رأيت فمه يتحرك فقط، انفصلت عن كل شيء، شعرت حينها أني في مكان لا أعرفه، سمعت صوت أبي يناديني من بعيد، ركضت أجري الى غرفته، إلى فناء المنزل، الى المجلس أبحث عنه في الزاوية التي كان يجلس فيها، رأيت جمعاً من الرجال لمحت وجه جدي جالساً بينهم. 


من يومها أدركت أني مت ولم يمت أبي، كنت متمسكة به في قلبي برائحة عطره بملمس معطفه، بكلماته لي، بحضنه الدافئ، بضحكته التي تشع في وجهه كلما رآني، رفضت أن أقبل فكرة موته ظللت انتظره ظللت انتظره. 


 الى أن أتى ذلك اليوم رأيت وجه جدتي مفزوعاً وهي تنظر لشيء على الهاتف وتبكي، يتناقلونه بينهم منهم من يشجب ومنهم من يصمت صمتا حزيناً غير مفهوم كأنما يرون منظراًغريباً.


أثار فضولي المشهد الذي يرونه جميعاً، الى حين اقتربت من أحدهم نظرت إلي الهاتف، كان وجه أبي ملطخاً بالدماء وشظايا جسده تملئ المكان، لم يكن مبتسما كعادته، كان مفزوعاً كان خائفاً، ومن يومها سكن خوفه وفزعه في قلبي، ربما كان يبحث عني، ربما أراد رؤيتي، ربما لو رآني لما خاف هكذا، ربما لو رآني لظل مبتسماً. 


لم أعد استطيع أن أصدق أنه لن يعود، ظلت تلك الصورة تسكن مخيلتي، ليتني لم أراها ليتني أحتفظت بصورة أبي السعيدة بداخل وجداني. 

كيف تحول وجهه الآمن الى ملامح خوف؟ 

ورائحة عطره إلى رائحة دخان وبارود؟ 

ويداه القويتان إلى شظايا؟ 


 حينها صارات تزورني الكوابيس، كنت أراه بذلك المنظر كل ليلة، أقوم كل صباح وتحتي بركة حزن لن تجف، والناس باتوا يضحكون علي، يظلون ينادونني لكنني اظلك أناديك في سري، أين أنت لتنقذني؟ 

 ‏

 باتوا يقولون جنت أم أصابها الخبل؟ 

 ‏هم لم ينسوا أن هذه الطفلة كبرت على هذا وأنا لن أنسى أنك أخلفت وعودك لي، وأنك ذهبت جنتك واخترت بؤسي. 





 










تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة لرواية مزرعة الحيوان."جورج أوريل"

هل استطيع أن أكون ممتناً رغم المعاناة؟

هل تعاني من اضطراب نفسي؟ هذه تجربة شخص يعاني من القلق